أوراق نفسية – إنتبهوا على فلذات أكبادكم لأن قلق الآباء يتعلمه الأبناء – د. بشير الياس
اعمدة الرأي

يكاد القلق يكون الشكوى المشتركة بين غالبية الناس وهو بالمعنى الواقعي والعملي يعني : تهويل المواقف وتفسيرها بأسلوب مزعج ومثير للخوف والارتباك.
وهو كإستجابة سلوكية يعتبر سلوكا متعلما قد ينتقل للأبناء من خلال عمليتي: الملاحظة والتقليدثم يستمر، ليصبح عادة سلوكية وقد يتطور ليصبح سمة شخصية .
إن تدريب الأبناء ومساعدتهم على مواجهة تحديات الحياة وضغوطها يقتضي توافر نماذج والدية تتميز بما يلي ؛ العقلانية في التفكيرو التجرد والتحرر من مشاعر التوتر والقلق غير المجيدة ، والقدرة الفائقة على ضبط الانفعالات والقدرة على التعامل مع المستجدات والمتغيرات والقدرة على إدارة الحياة بمهارتها الطبيعية مثل : المرونة ومهارة التفاوض ومهارة الحوار والنقاش.
وتختلف أشكال القلق عند الأبناء ودرجاته ولعل أكثرها شيوعا مايعرف عياديا ب( القلق الاجتماعي) والذي ينشأ في ذواتهم من البيئة التي تعظم في نفسية النشئ معنى الخوف والخجل وتمنعه من الحوار وتقلل من شأنه بإستصغاره وتهويل أخطائه .
وقد يظهر القلق لدى الأبناء بصورة ( قلق ، الانفصال) والذي يصيبهم عندما يبتعدون عن ذويهم خاصة الأم أو الأب مما يجعلهم في ارتباك وتوتر وخوف يعيق تفاعلهم مع العالم الخارجي .
كما قد يظهر (قلق الأبناء) في صورشعور عام بعدم الراحة نتيجة كثرة المشاحنات والتفاعلات الانفعالية داخل البيئة المنزلية والأزمة الحقيقية في القلق هو كونه عائقا للإنجازات في الحياة وهو أسلوب في الحياة قد يحجب آفاق الإبداع والإنتاجية.
إن (الآباء القلقلين) عادة ماتحمل رسائلهم معاني الحذر والحيطة مما يحرم الأبناء من النضج النفسي والانفعالي الذي يتميز بالإستقلالية والثقة بالنفس .
إن سلوك الآباء رسائل أخرى أكثر تأثيرا في ذهن الأبناء ويصعب عليهم تناسيها أو تجاهلها وتظل خبرة وتجربة ممتدة لحياتهم ومستقبلهم .
فبعض الآباء يظنون أن تجنب الأبناء المواقف التي تثير لديهم القلق يحميهم من مخاطره ولكنها في الحقيقة تؤدي بهم إلى ضعف الثقة بالنفس و تعزيز القلق لديهم وسوء تكيفهم على الصعيد الشخصي والاجتماعي وضعف مهارات التواصل الاجتماعي والتراخي عن الدور الاجتماعي في الحياة.
إن مساندة الأبناء لاتعني الحماية المفرطة التي تحفز في داخلهم مفهوم التبعية.
وفي حالة الضغوط نجد بعض الآباء يتجنبون مواقف التفاعل والهروب وعدم المواجهة مما يستدعي مشاعر الخوف والقلق عند الأبناء من خلال فقدان الأمان الذي هو الوظيفة الأولى للوالدين .
والتنصل من الدور الوالدي تجاه الأبناء يفقد الأبناء النموذج القدوة ، وبالتالي يخل بأساسيات النمو النفسي المتوازن.
كما تحمل ردود الأفعال الغاضبة من قبل الوالدين رسائل سالبة عن مفهوم الحياة وعن الآخرين مما يعزز في نفسية( الأبناء القلق) من المواقف عامة. مما يدفعه دون استبصار إلى توقع المخاطر قبل وقوعها.
ويتجسد القلق في أحد صوره عندما ينشغل الآباء في صحة أبنائهم وفي مستقبلهم. وقد يبدو في صورة خوف دائم أو نفقد مستمر على تصرفاتهم أو حماية زائدة لهم مما قد يؤدي إلى تعزيز سمات الشخصية (القلقة ، الوسواسية )
إن القلق ليس مجرد سلوك متعلم أو مكتسب أو مشاهد ولكنه أيضا ردود أفعال وأسلوب في التربية يعيشه الأبناء بتقلباته ومتغيراته ، ويصاحب ذلك مشاعر متذبذبة ومعارف سلبية يتشكل من خلالها قلق جديد وفي صورة جديدة .
وتكمن مشكلة بعض ( الآباء) في اعتقادهم أن القلق
حماية مرغوبة وواجبة تتماشى مع مسئولياتهم تجاه أبنائهم. والحفاظ عليهم والاهتمام بهم مما قد يدفعهم لزيادة القلق واعتماده كأسلوب تربوي.
إن من أهم بواعث القلق واستمراره اللازمه لبناء الأبناء بناءا نفسيا سليما ولذا فإنه من المهم الإلمام بالخصائص العامة لكل مرحلة عمرية حتى يتسنى استخدام الأساليب التربوية الملائمة لها.
ونؤكد أن مقارنة الابن بغيره من أهم مسببات القلق لديه ، لأن مجرد شعوره أن هناك من هو أميز منه وأفضل منه سيجعله ينشغل بغيره عن تطوير ذاته .
إذا تختلف أسباب القلق وأشكاله وبواعثه ومعززاته ، وتظل الحقيقه النفسية تؤكد أن أساليب التربية التي تعتمد الخوف والقلق والحماية الزائدة المفرطة وعدم مواجهة المواقف بيئة خصبة لنشأة القلق وتعزيزه….